يحيى دبوق
الثلاثاء 3 كانون الأول 2024
يبدو أن نظرة تل أبيب إلى المتغيّرات في سوريا قد انقلبت من فرصة إلى تهديد، وإن كان الرهان ما زال قائماً على ديناميات ما، تفيد المصلحة الأمنية الإسرائيلية جرّاء نجاحات للجماعات المسلحة في إشغال المحور المعادي لها، في إيران والعراق ولبنان، بتموضع دفاعي إلى جانب الجيش السوري، بعيداً منها.
وإلى جانب انشغالها في حربها التي لا تتوقّف على الساحة الفلسطينية، ومحاولة انتزاع مكاسب وقواعد اشتباك ملائمة لها في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في لبنان، تنشغل طاولة القرار في تل أبيب بالمتغيّرات السورية، عبر رصد التطورات والعمل على التأثير فيها، وفي حد أدنى الاستعداد لأسوئها، خاصة أن سوريا نفسها تحوّلت إلى ساحة جذب لكل حلفائها لمؤازرتها، وهو مصدر قلق في تل أبيب، وفيه الكثير من السيناريوات والفرضيات التي من شأنها تهديد المصالح الأمنية الإسرائيلية.
وإذا كان الوجود الروسي ومؤازرته سوريا لا يشكل تهديداً للدولة العبرية، رغم المساندة الفعّالة المنتظرة من سلاح الجو الروسي في صد الهجمات، إلا أن ما يقلق تل أبيب هو فرضيات تدخّل إيران وحلفائها، خاصة أن مستلزمات دعم الجيش السوري تستدعي منهم زيادة معتداً بها في العتاد والعديد، ما يعني فتح الباب أمام إعادة ترميم القدرات العسكرية لـ«حزب الله» بسرعة بعد الحرب، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل البحث عن أفضل السبل وأنجعها لمنع ترميم تلك القدرات. وعلى خلاف اليوم الأول للأحداث السورية، حيث كانت التعبيرات التفاؤلية سائدة في تل أبيب، إلى جانب التعبيرات المشكّكة والقلقة، يبدو أن الحذر هو السائد الآن من رفع سقف التوقّعات التي تلائم المصلحة الأمنية للدولة العبرية. إذ حلّت محلّ الأمل في أن ينصب اهتمام إيران و«حزب الله» على الساحة السورية، عبارات القلق من أن ينزلق تدفّق العتاد والعديد إلى سوريا، عبر إيران والعراق، نحو لبنان، لمساعدة الحزب في إعادة ملء مخازنه ومستودعاته. كما من المتوقّع أن يستجلب الانشغال بالتهديد القادم من سوريا، موارد مالية سيخصّص جزء منها للساحة اللبنانية، التي عليها أن تتجهّز أيضاً لمواجهة فرضيات متطرفة، قد لا تكون منظورة ومحسوسة في المرحلة الحالية.
تخشى تل أبيب من أن ينزلق تدفّق العتاد والعديد إلى سوريا عبر إيران والعراق نحو لبنان
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد جمع كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في تل أبيب، مرتين متتاليتين جرى الإعلان عنهما، فيما انشغلت طاولة التخطيط لدى الأجهزة الأمنية، بالمستجد السوري وسيناريواته. ومن بين الفرضيات المتداولة في الإعلام العبري، والتي تسربت في اليومين الماضيين، والأكثر ترجيحاً، انقلاب الوضع الميداني لمصلحة الجيش السوري وحلفائه، ولو بعد حين، وهو سيناريو يلزم حلفاء الرئيس، بشار الأسد، بتزخيم حضورهم في سوريا، والذي يعد بذاته مصدر تهديد لإسرائيل. كما لا تغادر فرضيات متطرفة أخرى طاولة التقدير في تل أبيب وإن كانت غير مرجّحة وفقاً للمعطيات الحالية، ومنها أن يفشل الأسد وحلفاؤه في صد المسلّحين، ويتسبّب ذلك في امتداد نجاحات هذه الجماعات نحو وسط سوريا وجنوبها، ما يعني أن على إسرائيل أن تستعد من الآن لاحتواء التهديدات التي ستنتج من فوضى انكسار النظام، وتحديداً في جنوب البلاد، حيث البقعة الجغرافية الأكثر أهمية بالنسبة إليها.
وتوحي المقاربة العلنية لإسرائيل بأنها جهة متلقية للحدث وليست مسبّبة له، وفي حد أدنى بنَت عليه لتحقيق مصالحها، علماً أن أهم جهة فاعلة ومؤثرة في قرار تحريك المسلحين وتمكينهم، وهي الولايات المتحدة، لا تفرّق كثيراً بين مصالحها ومصالح اسرائيل، ما يعني أن ادعاء الحياد والمراقبة من بعد وتقدير الفرضيات والاستعداد لمواجهتها أو مواكبتها، هو نوع من أنواع التضليل العلني غير المتوافق منطقياً مع الواقع وعوامل تشكّله ومؤثراته، حيث إسرائيل عبر الولايات المتحدة، مؤثر رئيسي فيه. لا بل إن الواقع الحالي يشبه ذلك الذي كان سائداً في سوريا قبل سنوات، حيث كانت إسرائيل تحرّك المسلحين وتموّلهم وتساندهم ضد الجيش السوري ومؤسسات النظام، فيما تدّعي أنها تحصر دعمها بـ«بتزويد المدنيين بحليب الأطفال والأغطية»، وهو ما ورد على لسان وزير أمنها في حينه، موشيه يعلون.
على أي حال، قد يكون التدخّل الإسرائيلي المباشر المستنسخ من التدخّل الماضي، ينتظر ظروفه ومؤثراته، وأهمها نجاحات إضافية وازنة للمسلحين من شأنها أن تهدّد النظام، فتعمد الدولة العبرية لملاقاة مسلحي الشمال عبر تحريك أتباعها في الجنوب. على أن سيناريو كهذا لا تظهر مؤشراته حالياً، وإن كان هو مقصد إسرائيل وأكثر الفرضيات ملاءمة لمصالحها. وعليه، تظل إسرائيل في حالة قلق أكثر منها في أمل، إذ إن النتائج تنتظر رد فعل الطرف الآخر لتحديد إن كانت تل أبيب أصابت أو فشلت، بمعية رعاتها، في رهاناتها على تحريك الساحة السورية ضد أعدائها.